طنجة7

قراءة في كتاب "نقش على جدار الزمن" لفاطمة عافي

طنجة7- 2017-05-12 10:03:07:




"أشعلت ندى سيجارة أخذت تنفث دخانها ببطء..  تنظر إلى الدخان.. تنظر إليه كيف يتصاعد.. يتصاعد حتى يعانق سقف الغرفة.. تنظر لكن تفكيرها  منشغل.. في رأسها عاصفة من الأفكار المتضاربة.."، هكذا بدأت الكاتبة فاطمة عافي مجموعتها القصصية الأولى التي تشمل ثمانية عشرة قصة قصيرة تتفاوت في حجمها.

تطرح هذه القصص أسئلة الحيرة والتيه في دروب الزمان والمكان، الخوف من المجهول، الوحدة والسقوط.

من خلال قصصها القصيرة تبحث الكاتبة عن المفقود المشترك بين اللذة والألم عبر تجربة التواصل مع الآخر، في سياقات تقترب من "مقاعد كنيسة نوتردام.."، "العواصف التي تضرب السفن في ميناء طنجة.."، مرورا بـ "الأطفال غير الشرعيين وأدغال إفريقيا"، متطوعة مع جون كلود و"الرجل الذي ليس له مكانة في قلبها رغم قرابتهما"، الذي "يغتال روحها.. أحلامها.. إنسانيتها.. وتعاني الأمرين.."، ومازالت تخاف زوجها الذي غادر الحياة منذ زمن.

هل تلك التي التقطت كل هذه الصور، هي في صراع دائم بينها وبين ذاتها، أم أنها تحاول سبر أغوار العوالم المجتمعية وتستلهم مواضعها لتكتب عن الفشل الاجتماعي ومظاهره المتجلية في الانتحار والخيانة والاغتصاب والطلاق والجراح. 

ونحن نقرأ كل هذه المعاناة، لابد من سؤال يفرض نفسه: هل كانت القاصة تكتب عن ذاتها وتسجل القبض عن المنسي في لاوعيها؟ أم كانت تعيد إنتاج صور البنى الاجتماعية وتستمد مادتها الخام من الخطاب الحكاوي الشعبي لتبني قصصا أخرى؟ مهما كان، فإن كتابتها مسيرة إنسان يبحث عن المخبوء في دواخل الذات والوجود حيث تقول: "جراح.. كل الجراح تطفو على السطح..".

كلما توغل القارئ في تلك القصص، يستغرب من القاسم المشترك المتمثل في الحب والموت، أو الإيروس والطناطوس، وهنا بيت قصيدها / مأزق كتابتها، البوح رغم رقابة المجتمع، "الخيال يذهب بي بعيدا.. فارسي وسيم شهم حنون.."، "ما العيب في الحلم بمستقبل جميل.."، صعب المنال خصوصا إذا كان "البحر هو صديقها الوحيد الذي ينصت إلى ثرثرتها، تفشي له سرا كالسر الذي تخفيه في أعماق أعماقها.."، همست إذن بصوت مرتفع جُرحَها، وما فعلته بها تلك الوحوش الآدمية التي استنزفتها واستنزفتها، وانقلبت الآية: "ليتني أموت فأستريح منك ومن وجهك البشع.. الموت أرحم مما أنا فيه.."، بعدما كانت تحلم بالحب نراها تتمنى فناءها.

كيف لها  أن تعبر عن كل هذه الأصوات النسائية لتكتب بلسانهن وتخرجهن من عزلتهن؟ في الأخير، تبقى نساء المجموعة القصصية لفاطمة عافي تمشي في طرقات كلها خذلان، وما تُفتح لهن بابٌ حتى تُغلق كل الأبواب الباقية، على شاكلة المركيز دي ساد في روايته جوستين أو نوائب الفضيلة.

2016 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة7