في تطور دبلوماسي بارز يعزز المقاربة المغربية لتسوية قضية الصحراء، اعتمد مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025 قراراً جديداً يجدد الدعم الكامل لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب عام 2007، معتبراً إياها “الحل الجاد والواقعي والذي يتمتع بمصداقية” لإنهاء النزاع الإقليمي.
يأتي هذا القرار، الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت يعلن فيه الملك محمد السادس عن تحيين وتفصيل المبادرة تمهيداً لتقديمها رسمياً إلى الأمم المتحدة، مما يفتح آفاقاً جديدة لمفاوضات توافقية.
خلفية الحدث: قرار مجلس الأمن يعكس ثقة دولية متجددة
جاء القرار الجديد، الذي يحمل الرقم 2797، بعد تصويت إيجابي من الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى دعم أوسع من دول أخرى مثل إسبانيا وألمانيا.
وفقاً للنص الكامل للقرار، يدعو الأطراف المعنية إلى “الانخراط في مناقشات دون شروط مسبقة على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من الجميع يحقق تقرير مصير السكان الصحراويين”.
كما مدد القرار ولاية بعثة “مينورسو” (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية) لمدة عام، مع التركيز على تعزيز الثقة بين الأطراف.
رحب جلالة الملك محمد السادس بهذا التطور في خطاب موجه إلى الشعب المغربي، مشيراً إلى أن المغرب “سيقوم بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها سنة 2007″، ليصبح المشروع أكثر دقة وتكيفاً مع الواقع الراهن.
تفاصيل مبادرة الحكم الذاتي: رؤية سياسية وتنموية متكاملة
مبادرة الحكم الذاتي، التي أطلقها المغرب في أبريل 2007 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمثل رؤية ملكية سامية تجسد الثبات في المبادئ الوطنية والمرونة في الوسائل. تهدف إلى منح سكان الأقاليم الجنوبية صلاحيات واسعة لتدبير شؤونهم المحلية ضمن السيادة المغربية الكاملة، مع ضمان مشاركتهم في الحياة الوطنية.
مضامين المقترح الأصلي والتعديلات المرتقبة
:1. مشاركة السكان في المؤسسات الوطنية
- تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان المغربي وباقي المؤسسات الوطنية، وتشارك في جميع الانتخابات الوطنية. هذا يضمن اندماجاً كاملاً دون فصل، مع التركيز على حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه دولياً.
2. هيئات الجهة: توازن بين الاستقلالية والسيادة
- البرلمان الجهوي: يتكون من أعضاء منتخبين من مختلف القبائل الصحراوية، بالإضافة إلى أعضاء ينتخبهم الاقتراع العام المباشر من جميع سكان الجهة. يتعين تخصيص نسبة مئوية للنساء لتعزيز التمثيل الجندري.
- السلطة التنفيذية: يمارسها رئيس حكومة جهوية ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك. يتولى الرئيس تشكيل الحكومة الجهوية وتعيين الموظفين الإداريين لممارسة الاختصاصات المحلية، ويكون مسؤولاً أمام البرلمان.
- السلطة التشريعية: يصدر البرلمان قوانين الجهة دون إخلال باختصاصات المجلس الوطني والمجلس الدستوري، مع ضمان مطابقة جميع التشريعات للدستور المغربي.
- السلطة القضائية: يجوز للبرلمان إحداث محاكم مستقلة لفض المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط الجهوية، تصدر أحكامها باسم الملك وبكامل الاستقلالية.
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي: يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية، الاجتماعية، المهنية، والجمعوية، بالإضافة إلى شخصيات ذات كفاءات عالية، لدعم التنمية المستدامة.
3. آليات التفعيل والتفاوض
- يُطرح النظام كموضوع تفاوض، يُقرر عليه السكان عبر استفتاء حر ضمن استشارة ديمقراطية، تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن. تلتزم الأطراف بالعمل بحسن نية لتفعيله، مع إمكانية مراجعة الدستور المغربي لإدراج النظام.
- تشمل الإجراءات العملية: عفو شامل عن المشمولين، إدماج عائدي المخيمات، وإنشاء مجلس انتقالي لنزع السلاح وإعادة الإدماج، بالإضافة إلى عمليات انتخابية.
هذه التفاصيل تجعل المبادرة “توافقية ومسؤولة ومنفتحة”، كما وصفها خبراء، حيث تمكن الصحراويين داخل المملكة أو خارجها من تدبير شؤونهم المحلية دون المساس بالوحدة الترابية.
رؤية ملكية
منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش عام 1999، حوّلت هذه الرؤية النزاع الترابي إلى مشروع بناء دولة حديثة، معتمدة على الثبات في المبادئ الوطنية والمرونة في الوسائل، لتصبح مبادرة الحكم الذاتي ركيزة الدبلوماسية المغربية داخل المنتظم الدولي.
الملك حدد مقاربة جديدة تتجاوز منطق النزاع العقيم إلى منطق الحل السياسي الواقعي. تجعل هذه الرؤية من الشرعية الوطنية منطلقاً، والشرعية الدولية أفقاً للتكامل، مما أرسى استراتيجية قوامها الثبات في المبدأ والمرونة في الوسيلة.
وبهذا، أصبحت الصحراء قضية بناء وطني أكثر من كونها نزاعاً ترابياً محضاً.
مبادرة الحكم الذاتي، التي أطلقها جلالة الملك عام 2007، تعبر عن هذه الرؤية بعمق سياسي واستراتيجي، حيث منحت المغرب مصداقية دولية كبيرة. في خطاب عيد العرش لعام 2025، أكد الملك اعتزازه بالدعم الدولي المتزايد للمبادرة كحل وحيد، مشدداً على الحرص على إيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. كما شدد في خطاب المسيرة الخضراء 2019 على مواصلة العمل بصدق وحسن نية طبقاً للمقاربة السياسية المعتمدة حصرياً من طرف منظمة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي وتوافقي.
هذه المبادرة شكلت إطاراً سياسياً واقعياً يجمع بين احترام السيادة الوطنية ومرونة الحلول التوافقية، مما يعكس القدرة المغربية على الجمع بين المبدأ والبراغماتية.
تابعوا طنجة7 على صفحتنا بموقع فيسبوك. وعلى منصة إنستغرام. إضافة لمنصة X وتطبيق نبض


