المغرب يشهد أول عملية “توريق للديون المتعثرة”.. ماذا يعني؟

طنجة7

أعلن والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، خلال ندوة صحفية عقدت بالرباط يوم الثلاثاء 24 يونيو، عن ترخيص بنك المغرب لأول عملية توريق للديون المتعثرة نفذتها إحدى البنوك المغربية، في خطوة تاريخية تهدف إلى تحسين ملاءة القطاع المصرفي.

كما كشف عن دراسة مشروع توريق ثانٍ. تأتي هذه التطورات وسط جهود مستمرة لرفع القيود الضريبية واستكمال الإطار التنظيمي، بهدف إنشاء سوق ثانوية فعّالة للديون المتعثرة.

ما هو توريق الديون المتعثرة؟

توريق الديون المتعثرة هو عملية مالية تُمكّن البنوك من تحويل الديون غير المسددة أو المشكوك في تحصيلها إلى أوراق مالية قابلة للتداول. الهدف هو تحرير ميزانيات البنوك من الأصول الرديئة، مما يعزز السيولة، يقلل المخاطر المالية، ويدعم النمو الاقتصادي. هذه الآلية تُعدّ أداة حديثة لإدارة الديون، خاصة في ظل تزايد حجم الديون المتعثرة التي تثقل كاهل البنوك.

كيف تتم عملية التوريق؟

تتضمن عملية توريق الديون المتعثرة عدة خطوات منظمة لضمان نجاحها:

  1. تجميع الديون:
    تقوم البنوك بتجميع محفظة من الديون المتعثرة، مثل القروض العقارية أو الشخصية التي لم يتم سدادها. يتم اختيار هذه الديون بناءً على معايير محددة، مثل قيمتها وإمكانية تحصيلها.
  2. نقل الديون إلى شركة ذات غرض خاص (SPV):
    تُباع الديون بسعر مخفض إلى كيان مستقل يُعرف باسم شركة ذات غرض خاص. هذه الشركة تُنشأ خصيصًا لإدارة عملية التوريق، مما يفصل الديون عن ميزانية البنك ويقلل المخاطر.
  3. إصدار أوراق مالية:
    تقوم الشركة بتحويل الديون إلى سندات مدعومة بالأصول (Asset-Backed Securities – ABS)، وتُطرح هذه السندات للمستثمرين في الأسواق المالية. يعتمد نجاح هذه السندات على إمكانية تحصيل الديون الأصلية.
  4. توزيع العوائد:
    عند تحصيل الديون أو جزء منها، يتم توزيع العوائد على المستثمرين الذين اشتروا السندات، بناءً على شروط الإصدار. قد تشمل العوائد الفوائد أو المبالغ المستردة من المدينين.
  5. إدارة المخاطر:
    يتم تقييم الديون بدقة قبل التوريق لتحديد مخاطرها، وغالبًا ما تُصنّف السندات إلى شرائح مختلفة بناءً على مستوى المخاطرة، مما يتيح للمستثمرين اختيار الشريحة المناسبة لاستراتيجياتهم الاستثمارية.

أهمية توريق الديون المتعثرة في المغرب

تُعد هذه العملية خطوة استراتيجية للقطاع المصرفي المغربي، حيث تحمل فوائد متعددة:

  1. تعزيز السيولة:
    يتيح التوريق للبنوك تحويل الأصول غير السائلة إلى نقد فوري، مما يعزز قدرتها على منح قروض جديدة ودعم المشاريع الاستثمارية.
  2. تحسين الملاءة المالية:
    يساعد التخلص من الديون المتعثرة في تحسين القوائم المالية للبنوك، مما يتماشى مع متطلبات التنظيمات الدولية مثل بازل III.
  3. تقليل المخاطر:
    ينقل مخاطر عدم السداد إلى المستثمرين المتخصصين، الذين يمتلكون الخبرة في إدارة وتحصيل الديون.
  4. دعم النمو الاقتصادي:
    من خلال تحرير رأس المال، يمكن للبنوك تمويل مشاريع جديدة، مما يساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي.
  5. إنشاء سوق ثانوية:
    يساهم التوريق في تطوير سوق ثانوية للديون المتعثرة، مما يعزز جاذبية المغرب كمركز مالي إقليمي.

التحديات الضريبية والتنظيمية

على الرغم من التقدم المحرز، أشار الجواهري إلى وجود تحديات تعيق الانتشار الأمثل لهذه الآلية:

  1. القيود الضريبية:
    تظل القواعد الضريبية الحالية عائقًا رئيسيًا، حيث تفرض على البنوك الاحتفاظ بالديون المتعثرة في قوائمها المالية لمدة طويلة قبل التصرف فيها. هذا يزيد التكاليف الإدارية ويبطئ عملية التوريق. يجري العمل حاليًا مع الأمانة العامة للحكومة لتعديل هذه القيود.

الإطار التنظيمي:
رغم استكمال الأحكام المتعلقة بالتحويل التلقائي للديون إلى المشترين، لا يزال هناك حاجة إلى تعزيز القوانين لضمان حماية جميع الأطراف، بما في ذلك المستثمرين والمدينين. على سبيل المثال، يتطلب تبسيط إجراءات إشعار المدين وإزالة الحاجة إلى موافقته على نقل الديون.

  1. تطوير ثقافة السوق:
    سوق الديون المتعثرة في المغرب لا يزال في مراحله الأولية، مما يتطلب جهودًا لتثقيف المستثمرين وتعزيز وعيهم بآلية التوريق وفوائدها.
  2. مخاطر التسعير:
    تحديد القيمة العادلة للديون المتعثرة يُعد تحديًا، حيث قد يؤدي التسعير غير الدقيق إلى خسائر للبنوك أو المستثمرين. هذا يتطلب آليات تقييم شفافة وموثوقة.

السياق الاقتصادي ودور بنك المغرب

يأتي هذا الإعلان في ظل ارتفاع حجم الديون المتعثرة في القطاع المصرفي المغربي، مما يستدعي حلولًا مبتكرة لتخفيف الضغط على البنوك. يلعب بنك المغرب دورًا محوريًا في دعم هذه العملية من خلال وضع إطار تنظيمي يشجع الابتكار المالي مع ضمان الاستقرار. كما أن التعاون مع الأمانة العامة للحكومة يعكس التزام الدولة بتطوير هذا السوق.

آفاق المستقبل

مع ترخيص أول عملية توريق ودراسة مشروع ثانٍ، يتجه المغرب نحو إنشاء سوق ثانوية قوية للديون المتعثرة. هذه الخطوة ليست مجرد إصلاح مالي، بل استراتيجية لدعم النمو الاقتصادي وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي. ومع ذلك، يظل نجاح هذه الآلية مرهونًا برفع القيود الضريبية، تحسين الإطار التنظيمي، وزيادة وعي المستثمرين.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا

أعثر علينا على الوسائط الاجتماعية
نشرة السابعة
إشترك معنا للتوصل بجميع الأخبار