طنجة7

فيدرالية اليسار أضاعت فرصة انتخابية ثمينة بطنجة

طنجة7- 2015-09-17 19:33:29:




في الوقت الذي انحسر امتداد اليسار المغربي، منذ انخراط عدد من مكوناته الأساسية (الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية) في التجربة الحكومية، التي قادها سنة 1998 الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمان اليوسفي، والتي اختار الحزبان دخولها إلى جانب الأحزاب التي كانوا يرون أنها من صنع الإدارة، ويحمّلونها المسؤولية عن المشاكل التي أصبح الوطن يعاني من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والناتجة عن تزوير الإرادة الشعبية والفساد في تدبير الشأن العام المغربي، وقد كانوا من قبل قد رفضوا دخول الحكومة معها عندما اقتُرح عليهم ذلك سنة 1994، إذ رفض محمد بوستة الذي كان سيؤول إليه منصب الوزير الأول تواجد إدريس البصري بالحكومة آنذاك.

وإذا كان عبد الرحمان اليوسفي وإسماعيل العلوي قد قبلا الانخراط في تجربة حكومة التناوب التوافقي سنة 1998، بهدف إنقاذ المغرب من السكتة القلبية، التي كان مهددا بحدوثها، وإذا كانت حكومة اليوسفي قد استطاعت معالجة بعض المشكلات العويصة التي كان البلد يواجه ضغطها (تسوية وضعية الموقوفين لأسباب سياسية ونقابية، ضخ مبلغ مالي مهم في الصندوق المغربي للتقاعد، تسوية عدد كبير من ملفات الاعتقال السياسي والنقابي، تقليص حجم المديونية...)، فإن كل ذلك لم يساهم في توسيع دائرة الإشعاع الحزبي للمكونين معا، خصوصا بعد أن أصبح التهافت على الفوز بالمقاعد والحصول على المواقع والكراسي هو الهدف الأول والأخير للتنظيمين معا، فدفع بهما الأمر إلى البحث عن الأعيان والأثرياء وفتح الباب على مصراعيه لهم للترشح باسم الحزبين، لضمان المقاعد والفوز بأكبر عدد منها، وإبعاد المناضلين غير القادرين على التمويل والإنفاق في الانتخابات عن الحصول على التزكيات.

هذا السلوك الانتخابي الميكيافيلي، خلق جوا من الاضطراب داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فأدى ذلك إلى انشقاق جديد في صفوفه نتج عنه ميلاد حزب جديد، أخذ موقعه هو الآخر في الخريطة الحزبية المغربية المبلقنة تحت اسم "البديل الديمقراطي"، وهو الانشقاق الرابع الذي عرفه الحزب منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي (الطليعة – المؤتمر الوطني – الوفاء للديمقراطية – البديل الديمقراطي).

وهكذا نرى أن انفتاح الاتحاد الاشتراكي على أصحاب "الشكارة" والاعتماد عليهم في الانتخابات، وإن كان في مرحلة ما قد مكنه من الفوز بعدد مهم من المقاعد الانتخابية في بعض المناطق في فترة سابقة (جهة الصحراء – جهة الشمال – جهة فاس...) فإنه بالمقابل فرض على كثير من المناضلين التوقف عن العمل السياسي، وهو ما أدى إلى تدني مستوى الإشعاع النضالي للحزب، على الرغم من استمرار حضوره في المواقع الانتخابية المختلفة بفضل الأعيان والأغنياء.

هذا فيما يتعلق بالاتحاد الاشتراكي، أما التقدم والاشتراكية فيمكن أن يُعتبر الحزب الذي يدّعي الانتماء إلى اليسار، الرابح الكبير من الوضع السياسي الحالي، على اعتبار المكاسب التي حققها منذ تصويته بنعم على دستور 1992، والذي حظي بعد ذلك بالاحتضان الرسمي واستطاع أن يمتلك فرقا برلمانيا، بعد أن كان ممثلا في البرلمان بنائبين فقط قبل ذلك.

هذا الحزب استفاد من الواقع السياسي المغربي الجديد، عقب اختياره اتخاذ قرارات ونهج استراتيجية سياسية لا علاقة لها باليسار جملة وتفصيلا، لكونها قائمة على ضرورة التواجد بمراكز القرار بأية وسيلة، حتى ولو كان ذلك بالتحالف مع الخصوم.

في ظل هذا التناقض الصارخ في حركة الحزبين المذكورين، والاختلال الواضح في توجهاتهما، يمكن أن نسجل أن فيدرالية اليسار المكونة من ثلاثة أحزاب يسارية صغيرة، هي (الحزب الاشتراكي الموحد – حزب الطليعة – المؤتمر الوطني)، دخلت انتخابات 4 شتنبر 2015 بمرشح مشترك في عدد من الدوائر الانتخابية الجماعية والجهوية بعد أن كان الحزبان الأولان قد قاطعا انتخابات 2011.

وإذا كان قرار المشاركة في الانتخابات الأخيرة، يعتبر إجراء نضاليا في محله، باعتبار أنه يتيح للفيدرالية إمكانية التواصل مع الشعب، ويفتح أمامها واجهة للانفتاح على الجماهير المغربية، وفرص عرض مشروعها السياسي، وطرح فلسفتها ورؤيتها للواقع...

وإذا كانت الفيدرالية قد تمكنت من فرض نفسها في عدد من الدوائر الانتخابية، بفضل التفاف المواطنين حول مرشحيها، على اعتبار أنهم يتصفون بالاستقامة والمصداقية والنزاهة، ولأنهم يرون فيهم الأمل للقطع مع التجارب التدبيرية الفاسدة المنحرفة المختلة... 

فإن عدم تقدير مكونات الفيدرالية بطنجة للمسؤولية التاريخية للمحطة الانتخابية الجماعية والجهوية ليوم 4 شتنبر 2015، وتقاعسها عن تقديم لوائح انتخابية بالمقاطعات الأربع المكونة لجماعة طنجة، فوّت عليها فرصة انتخابية ثمينة لن يجود الزمان بمثلها، خصوصا وقد كانت الساحة فارغة من المنافسين الحقيقيين للوائح العدالة والتنمية، إذ اختارت باقي الأحزاب المشاركة في الانتخابات تقديم لوائح يقودها وكلاء غير مرغوب فيهم من طرف الناخبين بطنجة، نظرا لكون أغلبهم سبق لهم أن تحملوا مسؤولية إدارة شؤون الجماعة والمقاطعات، وارتكبوا من المخالفات والتجاوزات والاختلالات ما لا يحصى ولا يعد.

ففي الوقت الذي كانت الفرصة مواتية لأحزاب فيدرالية اليسار للفوز على الأقل بعدد من المقاعد الانتخابية بسهولة، أمام الفراغ الحاصل في الساحة الانتخابية نتيجة عجز الأحزاب المشاركة في تقديم عناصر تحظى بثقة المواطنين، والذي استُغل من طرف لوائح حزب العدالة والتنمية، الذي فاز بالأغلبية المطلقة للمقاعد الانتخابية بطنجة، وهو فوز منطقي ومستحق، حيث اختار الناخبون التصويت لصالحه، لأنه لم يكن أمامهم اختيار آخر، وقد دفع غياب إمكانية الاختيار، عددا كبيرا من الناخبين إلى العزوف عن التصويت.

وهكذا يُعتبر عدم تقديم فيدرالية اليسار بطنجة للوائح انتخابية خطأ نضاليا كبيرا، أضاع عليها مناسبة سهلة للحضور في المواقع الانتخابية على الرغم من كونها تعج بالوجوه النضالية المحترمة النظيفة، والتي تتصف بالنزاهة والاستقامة والكفاءة والقدرة على الإنتاج والعطاء وخدمة الوطن والمواطن.

2016 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة7