طنجة7

الانتخابات المقبلة قد لا تحمل جديدا بطنجة

طنجة7- 2015-05-28 19:22:53:




لا يختلف اثنان على أن المغرب شهد خلال السنوات العشر الأخيرة، تطورا في العمليات الانتخابية، على الرغم من كونها لم تقطع بشكل كلي مع الاختلالات التي عرفتها الاستحقاقات المنظمة منذ بداية الاستقلال، والتي كانت الإدارة تتدخل باستمرار لإفسادها، ورسم الخرائط الانتخابية، ووضع لوائح الفائزين فيها بناء على التصور والمخطط التي تحسم فيه وزارة الداخلية، والذي لم يكن تدخلها في إفساد العمليات الانتخابية ببلدنا يقتصر على التحكم في نتائج الانتخابات فحسب، وإنما كان ينطلق من التحكم في الواقع السياسي، من خلال صنع الأحزاب الإدارية، واختيار قادتها من الأعيان والأثرياء والنافذين والمتحكمين في الفضاء المالي والاقتصادي، والقادرين على شراء الأصوات وإقامة الولائم والحفلات وتوزيع الوعود الكاذبة على الناخبين البسطاء المغلوب على أمرهم، والذين يستغلون ظروف الانتخابات للحصول على مكاسب هزيلة وضيعة، أجبرتهم أحوالهم المعيشية البئيسة على قبولها والتصويت لصالح أصحابها، حتى وإن كانوا متأكدين من عدم صدق الوعود التي يقدمها أولائك المفسدون الذين اعتادوا على شراء الأصوات والعمل على مقاومة الإصلاح والتغيير.

وإذا كانت عملية إفساد الاستحقاقات الانتخابية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى حدود تلك التي جرت في 25 نونبر 2011، التي يمكن أن توصف بأنها كانت على الأقل أحسن من سابقاتها لأنها لم تخل من تجاوزات، ساهمت في احتفاظ عدد من المفسدين الكبار بمواقعهم الانتخابية، خصوصا تلك التي تتعلق بالإمساك بإدارة شؤون بعض المجالس الجماعية وبسط النفوذ عليها، خاصة بعد أن أصبح المواطنون لا يعيرون العمليات الانتخابية الاهتمام المطلوب والالتفات الواجب، إذ صار يتملكهم اليأس، ويسيطر عليهم الإحباط، ويسكنهم التشاؤم ويتحكم فيهم عدم الرضا، وكلها عوامل فرضت عليهم العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الأخيرة التي شهدها البلد. فهل يمكن اعتبار المغرب قد استطاع تجاوز أخطاء الماضي فيما يرتبط بالانتخابات؟

من العدل الاعتراف بأن العمليات الانتخابية عرفت نوعا من التطور في ظل اعتماد التصويت بالورقة، حيث قضت على ما كان يعرف بتلقي الناخبين لقدر من المال قد يكبر أو يصغر تبعا لأهمية الموقع المتنافس عليه، مقابل إحضار أوراق المرشحين المنافسين لأحدهم، إلا أن نمطا جديدا من الإفساد ظل قائما، وهو الأخطر والأكثر مساهمة في إفساد الانتخابات وتزوير إرادة الناخبين، إذ تعلق باستمرار توزيع المال الحرام وإقامة الولائم وعدم اكتراث السلطات بذلك، وترك مافيا الفساد الانتخابي تتحرك بكل حرية، وقد أصبح هذا الأمر واقعا مفضوحا مرئيا ومسموعا، خصوصا وقد أمسى تجار الانتخابات ومفسدوها يتحكمون في الفضاء الانتخابي بشكل ممنهج واستراتيجية محددة دقيقة وفعالة، حيث تمكنوا من بسط نفوذهم وسيطرتهم على الدوائر التي يترشحون فيها، بواسطة شبكات من الوسطاء والوسيطات ينتشر أفرادها على امتداد جغرافية تلك الدوائر، ويتحركون خلال الحملة الانتخابية ليلا ونهارا، ويوزعون المال ويقيمون التجمعات في البيوت يقدمون أثناءها ما لذ وطاب من الأطعمة والوعود المعسولة، وعلى الرغم من كون المواطنين يدركون أن تلك الوعود كاذبة، لأنها ذاتها التي يقدمها جميع المرشحين، فإنهم يصوتون للذي يدفع أكثر وللذي يقنعهم الوسطاء والوسيطات (سماسرة الانتخابات) بأنه الأجدر بالثقة.

وإذا كانت الانتخابات بالمغرب ما زالت تعطي نتائج مخيبة لآمال معظم المغاربة لاعتبارات عديدة تتحمل المسؤولية فيها الإدارة والأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني وعدد كبير من الناخبين، سواء الذين يقاطعونها، والذين يمثلون الأغلبية وفي إمكانهم الحسم في نتائجها إذا ما انخرطوا فيها، أو أولائك الذين يدعمون لوبيات الفساد، والتي ما زالت تتحكم في الخريطة السياسية لحد اليوم وتضع الحواجز أمام كل محاولات الإصلاح والتغيير المنشودين، فإن ما تشهده جهة طنجة تطوان من فساد انتخابي لا مثيل له على الصعيد الوطني، حيث يستمر لوبي الفساد الانتخابي الخطير في الإمساك بيد من حديد بالحركة الانتخابية، ولا شك أن استمرار هذا الوضع على حاله يؤشر على أن الواقع الانتخابي لن يعرف أي تغيير، خاصة وقد بدأ لوبي الفساد في التحرك والاتصال بالمواطنين عبر وسطائه ووسيطاته المنتشرين في جميع الأحياء والجهات، والذين انطلقوا منذ مدة في حملات انتخابية استباقية لصالح اللوبي الفاسد، حسب الأخبار التي تصل إلى الأسماع، إذ يتعلق الأمر بمافيا الفساد الانتخابي المعروف بطنجة والذي ظل يتحكم في تدبير الشأن العام بالمدينة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولا يزال يبسط نفوذه إلى الآن، بعض أعضائه كان قد ابتعد عن المجالات فقرر العودة، والبعض الآخر بقي ممسكا ومسيطرا على الساحة الانتخابية، إما مباشرة أو عبر المفسدين الذين يدعمونهم بالمال لشراء الأصوات والفوز بالمناصب الهامة في المجالس، لخدمة مصالحهم، وتنفيذ مخططاتهم المصلحية التي تضرب في العمق مصالح المواطنين، وترهن مصير المدينة بأيديهم من جديد، ليواصلوا التحكم في أحوالها، وتوظيف إحكام قبضتهم عليها لتحقيق المزيد من الأرباح والمكاسب، ولا شك أن جميع سكان طنجة يعرفون المسؤولين عن الخراب والدمار والبؤس والتشوه الذي أصاب المدينة، في المجال العمراني والبيئي والجمالي والحضاري، والذي حولها من حاضرة فاتنة آسرة إلى مدينة يحيط بها البناء العشوائي وأحياء البؤس والضياع من جميع الجهات.

وإذا كانت طنجة تحاول استرجاع مجدها واستعادة بريقها، كحاضرة متوسطية تمثل نقطة التقاء إفريقيا بأوربا، يجب أن تحظى بما تستحق من العناية والاهتمام، وهو أمر صار يتحقق على أرض الواقع بفضل المبادرات الملكية الرامية إلى جعل طنجة تتبوأ المكانة اللائقة بها، بحيث يبرز ذلك واضحا جليا من الإصلاحات التي تشهدها، فإنه من المفروض اليوم قطع الطريق على مافيا الانتخابات ولوبيات الفساد، والعمل على مراقبة تحركاتها الهادفة إلى الاستمرار في إفساد الانتخابات، والإسراع إلى فتح التحقيق في التجاوزات والاختلالات التي أدت إلى تدمير الغابات والمناطق الخضراء، والسماح بتفشي أحياء عشوائية تحيط بالمدينة من جميع الجهات، وتوظيف ذلك في الإثراء غير المشروع.

2016 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة7