طنجة7

السلطة والسياسة والمال والانتهازية

طنجة7- 2015-04-27 13:15:52:




لا شك أن السياسة لها ارتباط وثيق بعالم المال والاقتصاد، على اعتبار أن الاشتغال بالسياسة لا يمكن أن ينفصل عن الهموم والانتظارات المالية والاقتصادية، فرجال السياسة يحملون مشاريع مجتمعية شاملة ومتكاملة ويسعون لتطبيقها في الواقع عندما تتاح لهم فرص الوصول إلى تدبير الشأن العام، حينما تفوز التنظيمات السياسية التي يمثلونها في الانتخابات التي تعتبر السبيل لبلوغ هذه الغاية، والتي تعد وحدها دون غيرها الطريق المثالي والسليم المؤدي إلى الاطلاع بمهام الحكم، لأن كل الأنظمة الديمقراطية الحديثة تعتمد على هذه الآلية للحسم في التداول على إدارة شؤونها، على أساس أن تمر جميع العمليات الانتخابية في ظروف تتسم في كل أطوارها بالمصداقية والنزاهة والشفافية، وهي سلوكات تعتمدها بدقة وتحرص على الاتزام بها الدول التي تحتكم للنظام الديمقراطي في تصريف أمورها.

فإذا كانت الانتخابات التي تشهدها البلدان الديمقراطية في معظمها تجري في أجواء طبيعية ولا تتخللها الخروقات إلا في مناسبات نادرة، بحيث تستقبل نتائجها الأحزاب المتنافسة بروح رياضية، فإن الانتخابات ببلدنا لا تمر دون أن تترك احتجاج جميع المكونات السياسية التي شاركت فيها، وهو أمر يجعل المتتبعين للوضع الانتخابي المغربي يخرج بقناعة راسخة بأن العمليات الانتخابية في البلد لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب القادر على فرز خلاصات انتخابية مطمئنة، يقبلها كل الفرقاء السياسيين المتنافسين فيها، وتكون مؤهلة لوضع تدبير الشأن العام في يد تنظيم سياسي واحد أو أكثر، بناء على قاعدة استراتيجية منسجمة تقوم على أساس برنامج محدد يتخذ من خدمة المصالح الشعبية أولوية، ويهدف إلى إيجاد الحلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها البلد.

فإذا كانت الانتخابات التي أجريت لحد الآن في المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم، قد أثارت غضب معظم التنظيمات السياسية والتي اعتبرتها مزورة ومطبوخة وغير نزيهة، أحيانا تتدخل وزارة الداخلية للحسم في تركيبتها أو من خلال حيادها السلبي المتغاضي عن الخروقات والتجاوزات المقترفة من تجار الانتخابات، فلا شك أن مسؤولية الأحزاب السياسية المغربية في الفساد الانتخابي الذي شهده الوطن إلى اليوم قائمة بقوة، ولا يمكن أن يدعي أي تنظيم حزبي شارك في الانتخابات أنه غير معني بالفساد والتزوير وشراء الذمم، فحتى الأحزاب التي كانت تتبجح بانتمائها إلى اليسار وترفع شعارات الدفاع عن النزاهة والمصداقية والمصالح الشعبية، ظهر أنها كانت تخدع المواطنين وتضحك على الناخبين، وتنتهز الفرصة للوصول إلى الكراسي الوثيرة، وتستغل المناسبة التي تؤدي إلى مواقع القرار والتي تمكن من جني الثمار.

فحين أدرك قياديو هذه الأحزاب أن البقاء في المعارضة لم يسمح لهم باحتلال المناصب العاليا والاستفادة من الغنيمة، غيروا الاستراتيجية النضالية لأحزابهم وكيفوها مع الواقع السياسي الإداري الرسمي، وتخلوا عن النضال الجماهيري الشعبي، بعد أن أدركوا أن ميزان القوى لا يفسح لهم المجال للارتقاء إلى مصاف الأثرياء، ويمكنهم من الانتقال إلى مستوى الزعامة المالية والإدارية بدل البقاء على الهامش كزعماء لتنظيمات سياسية تنخر أحشاءها الصراعات والتطاحنات والتناقضات، وتعيش على الفتات الذي تجود به الإدارة عليها.

فللوصول إلى الاستفادة من التواجد بمواقع القرار السياسي الذي يتيح الحصول على المكاسب المالية والاقتصادية والثروة، تخلى قياديو معظم الأحزاب اليسارية المغربية عن الالتزامات التي عقدوها مع مناضلي أحزابهم، والمواثيق التي تعهدوا بها أمام المجتمع، فاختاروا الارتماء في أحضان السلطة، وصاروا يأتمرون بأوامرها، وينفذون تعليماتها، وارتكبوا أكبر جريمة في حق مناضلي اليسار المغربي ومجموع الحركة الديمقراطية المغربية وكل أفراد المجتمع، عندما فتحوا الباب على مصراعيه لمافيا المال والاقتصاد للتحكم في مصير العمل السياسي بالبلد، حين منحوهم حق الترشيح باسم أحزابهم، وحرموا مناضليهم من حقهم المشروع في ذلك، لاعتبار وحيد وفريد هو قدرتهم على التمويل الانتخابي وشراء الأصوات وإفساد العمليات الانتخابية وتأمين الفوز بالمقاعد، شأنهم في ذلك مجاراة الأحزاب الإدارية، إذ لم يعد التصدي للفساد ومحاربة الانحراف السياسي يهمهم. 

وقد أدى هذا الانحراف في المشهد السياسي اليساري إلى هروب الكثير من المناضلين الشرفاء من العمل السياسي، الذي أضحى موبوءا، بعد أن صار يتحكم فيه أصحاب "الشكارة" الذين اخترقوا جسم أغلب التنظيمات اليسارية، وهو ما أدى إلى ضعفها وجمودها، وهو وضع يؤشر على قرب موتها بعد أن فتح الباب لانتعاش مؤسسات حزبية جديدة، لم يكن في وسعها ذلك لولا الانحراف الذي شهدته الأحزاب اليسارية، ولا شك أن هذا الواقع سمح بتحويل كل الأحزاب المغربية إلى ملحقات إدارية تابعة لعدد من رجال المال والاقتصاد، وقد رهن هذا العمل السياسي بالمال والاقتصاد، وأتاح المجال لتحكمها في الساحة السياسية الوطنية بصفة مطلقة وبالتالي التحكم في مصير البلاد والعباد، من خلال المواقع الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية، والاتجاه بها نحو المسار الذي يختارونه، ويضمن لهم مصالحهم.

2016 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة7