طنجة7

مقبرة المجاهدين بطنجة.. وصمة عار على جبين المدينة

طنجة7- 2014-11-21 11:44:32:




كلما أتيت لزيارة قبر والدي، أجد مقابر جديدة قد تم حفرها بشكل عشوائي وسط الطريق، ولم يعد بإمكاني الوصول إلى القبر دون أن أمر على قبور أخرى وأمشي على حافتها.

تعرف فاطمة أن مشيها على القبور، حتى تصل إلى قبر والدها بمقبرة "المجاهدين" في طنجة، أمر مخالف للشرع وفيه اعتداء على الموتى وانتهاك لحرمتهم، لكنها تقول إنها تضطر لفعل ذلك. ومثل فاطمة، يجد كل زوار هذه المقبرة أنفسهم مضطرين للمشي على القبور، لأنه ببساطة لم تعد هناك من طريق ولا حتى مساحات فارغة يمرون منها.

ويؤكد مراقب تراخيص الدفن في مقبرة "المجاهدين"، خلال حديثي معه أثناء تشييع إحدى الجنازات، أن المقبرة قد تجاوزت قدرتها الاستيعابية منذ مدة طويلة ولكنها لا تزال تستقبل الموتى بشكل يومي، وهو ما سيساهم، حسب المراقب، في تدهور حالتها إذا لم يتم تدارك الأمر. 

كلام المراقب عن تدارك الأمر يبدو في الحقيقة متأخرا جدا، فحالة المقبرة قد وصلت بالفعل إلى وضعية كارثية، وصارت اليوم، بغض النظر عن تجاوز قدرتها الاستيعابية، فضاء مستباحا لكل شيء ومرتعا لارتكاب كل الفواحش والموبيقات، فهي لا تتوفر على سور ولا على حراس ولا تخضع لأية مراقبة أو متابعة من أية جهة رسمية، بما في ذلك الجماعة الحضرية والمجلس العلمي المحلي ومندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية. 

تقصير الدولة


بعد كلام المراقب، اتصلت بالجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر، وحسب رئيسها السيد جواد كويهن فإن حالة مقبرة "المجاهدين" بطنجة لا تختلف كثيرا عن حالة باقي المقابر في المغرب، حيث أوضح أنه من بين 3600 مقبرة موجودة في المغرب فإن 10 في المئة منها فقط يمكن اعتبارها في حالة مقبولة، وهي الموجودة في مدينتي مرتيل ووجدة. وحمل السيد كويهن مسؤولية حماية المقابر للدولة، وقال إن أمر المقابر مخجل جدا وهو وصمة عار على جبين كل المسؤولين، معتبرا أن الجماعات المحلية لا تقوم بما هو واجب عليها. 

وأعرب كويهن عن أسفه الشديد لعدم تجاوب حكومة عبد الإله بن كيران "الإسلامية" مع اقتراح سابق لجمعيته بتخصيص يوم العاشر من رمضان يوما وطنيا للمقابر، وليس ذلك فحسب، بل أشار أيضا إلى إجهاض عدة مبادرات وطنية للنهوض بأوضاع المقابر في المدن المغربية، مثل الأسبوع الوطني للمقابر الذي كان مقررا للفترة ما بين 19 و23 من شهر فبراير الماضي قبل أن تجهضه لا مبالاة المسؤولين اتجاه المقابر، التي يقول كويهن عن أوضاعها إنها لم تعد تمت بصلة إلى القيم الدينية ولا إلى القيم الإنسانية.  

تخاذل جماعة طنجة


عندما أخبرتُ فاطمة أن الفصل 50 من الميثاق الجماعي ينص على أن رئيس الجماعة يمارس "شرطة الجنائز والمقابر، ويتخذ على وجه السرعة الإجراءات اللازمة لدفن الأشخاص المتوفين بالشكل اللائق، وينظم المرفق العمومي لدفن الجثث، ويراقب عملية دفنها واستخراجها، من القبور طبقا للكيفيات المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل"، تساءلت بعفوية: وماذا بعد؟ شرحتُ لها أن ذلك يجعل عمدة مدينة طنجة فؤاد العماري مسؤولا مباشرا عن حالة المقبرة المدفون فيها والدها، لكنها، ورغم قدسية ورمزية المكان الذي كنا واقفين فيه، ضحكت بصوت عال ونظرت إلي باستغراب شديد، قبل أن تردف قائلة: لو وجد العماري حيلة لما تردد في الترخيص ببناء عمارة على جثث الموتى.

بعد كلام فاطمة الذي حمل اتهاما لعمدة المدينة بالتقصير في أداء جزء مهم جدا من واجباته، حاولت الاتصال بفؤاد العماري لكني وجدت صعوبة بالغة في ذلك، فهو نادرا ما يجيب على المكالمات الهاتفية أو على بريده الإلكتروني ويرفض في الغالب الحديث إلى الصحافيين، لكن أحد المقربين منه أخبرني أن رئيس الجماعة الحضرية لمدينة طنجة يتغافل متعمدا عن موضوع المقابر، فأغلبها يجب أن تغلق فورا لأنها تجاوزت طاقتها الاستيعابية بشكل كبير جدا، كما أن الجماعة الحضرية ملزمة بإيجاد مئات الأمتار من الأراضي المخصصة للدفن سنويا وهو ما لم تقم به يوما ولا يبدو أنها تخطط لفعل ذلك. 

وكان رئيس الجماعة فؤاد العماري قد أعلن سنة 2011 عن مشروع "المقبرة النموذجية" التي كان مقررا لها أن تُشيد في منطقة الرهراه، لكن المشروع ظل مجرد حبر على ورق، واتضح لاحقا أن العماري أراده للاستهلاك الإعلامي فقط بعدما تم إغلاق مقبرة "مرشان" في نفس السنة، ولا أحد يعرف مصير المبالغ التي سبق وخصصت لتلك المقبرة الافتراضية، وهو ما يضع العماري في قفص الاتهام المباشر، خصوصا إذا ما تم ربط الموضوع بكل الأموال الضخمة التي يؤشر عليها وتُصرف من ميزانية الجماعة على مهرجانات الغناء، وعلى أمور أخرى، تافهة في الغالب ولا قيمة حقيقية لها ولا فائدة مرجوة منها، وهي أموال كان يمكن الاستفادة منها لتشييد مقابر جديدة.

قول الفقهاء


يؤكد الفقهاء وعلماء الدين أن حرمة الميت في الإسلام أكبر من حرمة الحي، وهم يستشهدون بعدة أحاديث نبوية في ذلك كالحديث الذي يقول: "لئن جلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر". 

وهكذا، عندما اتصلتُ بالشيخ محمد الفيزازي، الداعية المعروف في طنجة، أبدى اهتماما بالموضوع ولم يتردد عن الخوض فيه، حيث استنكر ما آلت إليه مقابر المسلمين في طنجة، وانتقد بشدة كيف توجد أراض لبناء العمارات والفيلات وتشييد الطرقات والقناطر والسدود، ثم يعز وجودها عندما يتعلق الأمر ببناء مقابر جديدة تليق بموتى المسلمين. وقال الفيزازي عن كرامة الميت وحرمته أنها تماما مثل كرامته وحرمته في حياته، مؤكدا أنه لا يجوز شرعا المشي على القبور أو الجلوس عليها، فما بالك بجعلها مرتعا لكل المنكرات من زنى وجريمة ومعاقرة للخمر، كما هو حاصل حاليا في مقبرة "المجاهدين" وغيرها. 

سألتُ الفيزازي أيضا عن مسألة حفر القبور بطريقة طولية غير موجهة للقبلة، فلم يجبني بشكل مباشر حتى لا يُفهم كلامه على أنه فتوى، لكنه أوضح أنه إذا كانت الضرورات تبيح المحظورات فهو لا يرى أية ضرورة ولا يعرف سوى طريقة واحدة للدفن، محيلا إياي إلى أحكام الجنائز في الدين. 

الجميع مسؤولون


رغم تحمس جميع من تحدثت إليهم لأمر المقابر ورغم اهتمامهم بالموضوع، لم يشأ أحد منهم أن يحمل المسؤولية لأية جهة بعينها فيما يخص وضعية "مقبرة المجاهدين" في طنجة، حيث قبر والد فاطمة، وفضلوا كلهم القول أن الجميع مسؤولون.

لا تعلم فاطمة بالأحادث التي أجريتها مع مراقب تراخيص الدفن ولا مع رئيس جمعية الحفاظ على حرمة المقابر ولا مع الشخص المقرب من عمدة طنجة ولا مع الشيخ الفيزازي، لكنها ستظل تمشي على قبور الموتى وتنتهك حرمتهم، كل يوم جمعة، لتزور قبر والدها، وسيظل الجميع مسؤولين، وسيظل الجميع أيضا متماطلين في إصلاح حال مقبرة "المجاهدين" وغيرها من المقابر في مدينة طنجة وباقي المدن المغربية.

2016 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة7